Tarek El Mahaba | Page 4

التجارب والضيقات : حدودها البابا شنودة الثالث وفوائدها

قداسة

التجارب والضيقات : حدودها البابا شنودة الثالث وفوائدها

لا تخلو حياة إنسان ‏-أيًا كان-‏ من التجارب والضيقات . فهي للكل ، حتى للأنبياء والقديسين ، والأمثلة عديدة ، نذكر منها ما تعرض له أيوب النبي ويوسف الصديق ‏...‏ فلا يظن أحد أن التجارب والضيقات هي للخطاة فقط بسبب خطاياهم . وإنما هي لجميع الناس . وهناك فرق بين خاطئ يتعرض لضيقة بسبب أخطائه ، وبين بار تصيبه ضيقة بسبب شر الآخرين أو حسدهم ، أو لأي سبب خارج عن إرادته وجميع الأبرار اجتازوا بوتقة الألم ، واختبروا الضيقة والتجربة ، ولم يستثنهم الله من ذلك . فكثيرة هي أحزان الصديقين ، ومن جميعها ينجيهم الرب . « كَثِيرَةٌ‏ هِيَ‏ بَلاَيَا الصِّ‏ دِّيقِ‏ ، وَمِنْ‏ جَمِيعِهَا يُنَجِّيهِ‏ الرَّبُّ‏ » ( سفر المزامير وحدوث تلك التجارب ، لا تعنى مطلقًا تخلى الله عمن أصابتهم تلك المتاعب والضيقات . كما لا تعنى غضبه عليهم أو عدم رضاه ‏..!‏ بل أنه ‏-تبارك اسمه-‏ قد يسمح بالتجربة لمنفعتهم . ويكون معهم في التجربة ، يعينهم ويقويهم ويحافظ عليهم ، ويسندهم أيضً‏ ا ‏...‏ إنه يسمح بالضيقة ، ولكنه يقف معنا فيها وهكذا يغنى المرتل في المزمور ويقول « لولا أن الرب كان معنا ، حين قام الناس علينا ، لابتلعونا ونحن أحياء ، عند سخط غضبهم علينا ‏...‏ نجت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين . الفخ انكسر ونحن نجونا . عوننا من عند الرب الذي صنع السماء والأرض » ( مز‎124‎ ‏(.‏ إنه اختبار جميل : أن نرى معونة الله في خلال ضيقاتنا ‏...‏ وأن نختبر حنو الله ومحبته وعمله من أجلنا . وهذه هي إحدى فوائد التجارب التي فيها نشعر أن بعض
القوات السمائية تقف معنا ، وتصد عنا . ونختبر أيضً‏ ا قول المزمور « ملاك الرب حالّ‏ حول خائفيه وينجيهم ‏«.‏ من أجل هذا ، فإن المؤمن لا يمكن أن تتعبه الضيقات . ذلك لأنه يؤمن بتدخل الله وعمله وحفظه . ويؤمن بأن الله يهتم به أثناء الضيقة أكثر من اهتمامه هو بنفسه . وكلما حلّت به مشكلة ، يؤمن أن الله قادر على حلها ، بل أن الله عنده حلول كثيرة . لذلك فالمؤمن لا يفقد سلامه الداخلى أثناء التجارب ، ولا يفقد اطمئنانه ، وثقته بعمل الله . إن كل تجربة هي بلا شك مجال لخبرة روحية جديدة ، تعمّق مفاهيم الإنسان برعاية الله وعمله على أن الله ‏-في شفقته وحنانه-‏ قد وضع قواعد معينة للضيقات التي يسمح لها إن تحدث . وفي مقدمتها :
+ إن الله لا يسمح بتجربة هي فوق طاقتنا البشرية إنه ‏-جلّت قدرته-‏ يعرف مقدار احتمال كل واحد منا ، ولا يسمح أن تأتيه التجارب إلا في حدود احتمال طاقته البشرية ولعل أحدهم يسأل : ما أصعب التجربة التي وقعت على أيوب الصديق ، في موت أولاده ، وضياع ثروته ، وفقد صحته ، وتخلى أصدقائه ‏...‏ من كان يستطيع أن يحتمل كل هذا ؟!‏ ونجيب بأن الله كان يعلم أن الطاقة الروحية لأيوب كانت تقدر أن تحتمل كل هذا ، لذلك سمح بما حدث أما أنت فلا تخف . لو كنت في قامة روحية مثل أيوب ، لأمكن أن تتعرض لمثل تجاربه . ولكن الله لا يسمح لك أن تُجَرَّب إلا في حدود احتمالك .
+ الشرط الثاني أن الله لا يسمح بالضيقة إلا ومعها المنفذ ‏...‏ أي تأتى المشكلة ومعها الحل . فلا توجد تجربة وهى حالكة الظلام ، دون أية نافذة من نور ‏...‏ فليس هناك مجال لليأس . إن الحل موجود ، وربما يحتاج
إلى شيء من الوقت ، يمنح صاحب التجربة فضيلة الصبر وانتظار الرب . حيث ينظر إلى المشكلة في رجاء ، يرى الحل بعين الإيمان قادمًا من خلال محبة الله وقدرته ‏...‏ والله قادر أن يمنح الاحتمال والصبر .
+ ينبغي أن نعلم أيضً‏ ا أن التجارب التي يسمح بها الله ، هي للخير . أو تنتهي بالخير ( اقرأ مقالاً‏ عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات ‏(...‏ فكل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبون الرب . حتى إن كانت المشكلة تبدو شرًا في ذاتها ، فإن الله بصلاحه قادر أن يحوّلها إلى خير . وهكذا فالإنسان المؤمن يؤمن بخيرية التجارب ، سواء في وقتها أو فيما بعد ‏...‏ ولهذا فإن التجارب لا تطحنه ، ولا تضغط عليه ، ولا تفقده سلامه . وكثيرًا ما كنت أقول :
« إن الضيقة سُ‏ ميت ضيقة ، لأن القلب قد ضاق عن أن يتسع لها . أما القلب الواسع فلا يتضايّق
+ شرط رابع للتجربة : إن لها زمنًا محددًا تنتهي فيه ‏..‏ فلا توجد ضيقة دائمة تستمر مدى الحياة ‏...‏ ولهذا ففي كل تجربة تمرّ‏ بك ، يمكنك أن تقول « مصيرها أن تنتهي » أي سيأتي وقت تعبر فيه بسلام ‏...‏ إنما عليك – خلال هذا الوقت – أن تحتفظ بهدوئك وبسلامة أعصابك . فلا تضعف ولا تنهار ، ولا تصغر نفسك أمام التجربة . ولا تفقد الثقة في الرب يسوع واعلم أن التجارب نافعة بلا شك . ولولا منفعتها ، ما كان الله الشفوق يسمح بها ‏...‏ وما أكثر الفضائل التي يمكن أن نحصل عليها ، إن كنا نتعامل مع الضيقات بطريقة روحية . إنها تقوى النفس ، وتمنحها ألوانًا من الخبرات ، سواء في معالجة المشاكل ، أو في الرجاء والإيمان بعمل الله . أو في الحكمة التي يقتنيها المختبرون ، أو في التدرب على الصمود وقوة الثبات أمام الضيقة حتى تنتهي ، مع التدرب على الاحتمال والصبر ‏...‏ ولولا الدخول في بوتقة التجارب ، لأصبحت النفوس هشّ‏ ة مدلّلة لا تقوى على شيء ، ولم تتدرب على الدخول في الصعاب واحتمالها ‏..‏
4