Tarek El Mahaba | Page 19

قصة : تحطمت سيارتي وملأني الفرح !

قصص قصيرة للقمص تادرس يعقوب
بدأت الزيارة حوالي الساعة الثانية بعد منتصف الليل حيث انطلقت مع بعض الأساقفة والكهنة إلى منزل أحد العاملين في بلدٍ‏ أوربي ، وكان معنا شاب أعزب يتسم بالبساطة ؟ روى لنا الشاب قصة عاشها بنفسه ، فقال : كان لديّ‏ سيارة جديدة ، تحطَّمت تمامًا في حادثة ، واشتريت السيارة التي استخدمها الآن . كنت سعيدًا جدًا حينما شاهدتها قد تحطَّمت ، لأنني أشعر أني استحق هذا ‏!«‏ استطرد الشاب البسيط حديثه ، قائلاً‏ : جئت إلى هذه المدينة ، وقد وضعت في قلبي ألاّ‏ أتدنس . بدأت مثل كثير من الشباب القادمين من مصر أعمل في مطعمٍ‏ ، لكي أشق طريق حياتي في بلدٍ‏ غريبٍ‏ . فوجئت برئيستي في العمل تحبني جدًا . حاوَلَت الالتصاق بي بكل وسيلة . صارحتني أنها تفكر في الطلاق من زوجها ، وطلبت مني أن أتزوجها ، فرفضت تمامًا ، وأوضحْت لها أنني لا أقبل هذه العلاقة مطلقًا . استغلت ظروف غربتي ، فكانت تطلب من مدير المطعم أن تأخذني معها لإتمام بعض التزامات خاصة بالمطعم ، ظنًا منها أن لقاءنا معًا بمفردنا في السيارة قد يؤثر عليّ‏ . حاولت بكل الطرق أن تنفرد بي ، لكنني كنت جادًا معها في أعماقي الخفية كما في سلوكي . حاولت أن تقّبلني فكنت أرفض . وضعت في قلبي ألاّ‏ أخطئ مهما كلفني الأمر . لكن تحت الضغط الشديد وفي ظرف معين استسلمت مرة واحدة إلى لحظات ، غير أنني سرعان ما تداركت الأمر ، وظهر الحزن عليّ‏ دون أن أمارس الشر بصورته الكاملة . لم احتمل التهاون من جانبي ، وشعرت أنني فقدت الكثير ‏...‏ ووقَفَت هي أمامي تتعجّب لما يحدث ، كأني إنسان شاذ لا مشاعر له . صارت خطيتي أمامي ، وأدركت أنني استحق تأديبًا إلهيًا حتى تتمرّر الخطية في حياتي ، هذه التي استسلمت لها إلى لحظات . قدَّمتُ‏ توبة أمام اللَّه ، وأحسست بالندم لا يفارقني ، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت
في أقسام أخرى . اعترفت بخطيتي أمام أب اعترافي ، ووعدت اللَّه في حضرته ألاّ‏ أبقى في هذا العمل مهما كانت الظروف . لم تمض أيام كثيرة حتى كنت مع صديق لي نتجه بسيارتي إلى مكان معينّ‏ ، وكنّا نستمع إلى بعض أغاني مثيرة عِوض الاستفادة بوقتنا . في الحال مددت يدي وأخرجت « الكاسيت » ووضعت بدلاً‏ منه « كاسيت » لقداسٍ‏ إلهي . كنت أستمع إلى تسجيل القداس الإلهي وأنا متهلل جدًا باللَّه ، حتى جاء القول : « مستحق وعادل ؛ مستحق وعادل ‏...«‏ وإذا برجلٍ‏ مخمورٍ‏ يقفز فجأة نحو العربة ، وكان الوقت ليلاً‏ ، ونحن في طريق زراعي . حاولت تفاديه ففقدت سيطرتي على عجلة القيادة ، وانحرفت السيارة عن الطريق ، وسقطت ، وانقلبت بنا خمس مرات . وجدت نفسي مع صديقي خارج السيارة ؛ كيف ؟ لا أعلم ، خاصة وأنني كنت أستخدم حزام السيارة . تطلَّعت إلى صديقي وقلت له وأنا أتأمل السيارة : « أني مسرور للغاية ‏«.‏ تطلًّع إلىّ‏ صديقي إذ حسبني أتحدث في غير وعي نتيجة الصدمة . أكملت حديثي : « أنا أعلم لماذا سمح اللَّه لي بتحطيم السيارة . أشكره لأجل محبته لي واهتمامه بي ‏«.‏ كانت علامات الفرح واضحة عليّ‏ . جاء رجل الشرطة لمعاينة الحادث ، فسألني : « من بداخل السيارة ؟«‏ فقد توقّع أن من بداخلها حتماً‏ قد مات . قلت له : « لا أحد ؛ فقد خرجت أنا وصديقي كما ترانا ، ليس بنا ( خدش ) واحد ‏!«‏ قال رجل الشرطة في دهشةٍ‏ : « مستحيل ! كيف خرجتما من السيارة وقد تحطمت تمامًا ؟!«‏ ثم استطرد حديثه قائلاً‏ : « في الأسبوع الماضي ، وفي نفس الموقع انحرفت سيارة ، وانقلبت بنفس الكيفية ، ومات من كان يقودها ‏!؟«‏ عُدت إلى منزلي وحسبت نفسي قد ربحت الكثير ‏...‏ لا أدري ما هو هذا الربح ، إنما كان قلبي متهللاً‏ ، وأعماقي مملوءة فرحًا ، مع أنه لم يكن لديّ‏ المبلغ الكافي لشراء سيارة أخرى ، ولم يكن التأمين يغطيني .
أكمل الشاب قصته فروى لنا أنه عاد إلى عمله بعد أن قرر أن يُسرع في تركه ، ليس خوفًا من أن تحلّ‏ به عقوبة ما - أي تأديب إلهي ، أو خسارة مادية تلحق به
- وإنما شوقًا نحو خلاص نفسه . روى لنا كيف لمس يدّ‏ اللَّه تدفعه للترك . فقد جاءته رئيسته التي شعرت بأن كل وسائل اللطف قد فشلت في جذبه إليها ، فأرادت أن تستخدم وسائل الضغط والعنف . صارت توبخه وتتهمه علانية أمام زملائه أنه بطيء في عمله . وكان الكل يعلم أن ما تقوله كذب ، إذ يشهدون له بنشاطه في العمل ، وأنه يمارس عملاً‏ يحتاج للقيام به ثلاثة أشخاص . لم يعرف زملاؤه سرّ‏ تحوّلها ضدّه ، إذ كانوا يعتقدون أنها كانت تلتصق به لأجل اهتمامه بعمله ونشاطه وقدرته . قال لها : « إن كنتُ‏ بطيئًا في عملي ، فأنا أقوم بدور ثلاثة أشخاص ، ومحتاج إلى شخصٍ‏ يعمل معي ‏«.‏ أجابت في غضب شديد وبلهجة عنيفة : « إمّا أن تُسرع في عملك أو تستقيل ‏«.‏ هنا شعر كأن صوت اللَّه يحدّثه خلالها . في الحال وبغير تردد قال لها أمام الحاضرين : « الآن أنا مستقيل ‏«.‏ ألقى بما في يده وانطلق ليخرج ، فأدركت أنه جادٌ‏ في قراره . حاولت أن تثنيه عن عزمه هي ومن معها . صارت تلاطفه لعلّه يعدل عن قراره ، لكنه أصرَّ‏ وخرج ، ليس من أجل كرامته ، وإنما لأجل أبديته . لم يمض أسبوع حتى وجد عملاً‏ لم يكن يظن أن يحصل عليه ، ولا وجه للمقارنة بينه وبين عمله الأول ، من جهة نوع العمل والدخل . لقد شعر أن يدّ‏ اللَّه قد كافأته لأنه اهتم بخلاص نفسه وهو في بلدٍ‏ غريبٍ‏ وتحت ظروفٍ‏ قاسيةٍ‏ ، وعلى حساب احتياجاته الضرورية .
‎19‎