Tarek El Mahaba | Page 18

‫الغضب الخاطئ‪..‬‬ ‫‪ ‬الشخص الروحي ‪-‬إذا غضب‪ -‬يكون غضبه مجرد تعبري‬ ‫عن عدم رضاه عىل الخطأ‪ .‬ويكون غض ًبا ألجل الحق‪ ،‬أو‬ ‫دفا ًعا عن اآلخرين‪ .‬وقد يكون بحزم‪ ،‬ولكن ال يفقد فيه‬ ‫أعصابه‪ ،‬وال يخطئ بلسانه‪ .‬ومثل هذا الغضب ال لوم‬ ‫عليه‪ .‬ولكن هناك غض ًبا خاط ًئا‪ ،‬تدخل فيه الرنفزة التي‬ ‫هي تلف يف األعصاب‪ .‬ومعه قد يعلو الصوت أو يحتد‬ ‫ً‬ ‫انفعال واض ًحا معي ًبا‪ ،‬ويبدو ذلك‬ ‫ويشتد‪ ،‬وينفعل الشخص‬ ‫أيضً ا يف مالمحه وأعصابه‪ .‬هذا هو الغضب الخاطئ‪...‬‬ ‫وهذا النوع من الغضب يحمل يف طياته العديد من‬ ‫األخطاء‪ :‬فباإلضافة إىل ما فيه من حدة وعصبية‪ ،‬فيه‬ ‫أيضً ا قساوة قلب‪ .‬وتزداد هذه القساوة كلام ازدادت‬ ‫حدة الغضب‪ .‬وقد تصل يف بعض األحيان إىل العنف‪ ،‬واىل‬ ‫الرضب واالعتداء‪.‬‬ ‫وطب ًعا يف حالة الغضب ال يحتمل الشخص غريه‪ ،‬وتزول‬ ‫منه مشاعر املحبة‪ ،‬ألن املحبة تحتمل كل شئ وتصفح عن‬ ‫امليسء‪ .‬أما الغضوب فإنه ال يصفح عن غريه يف إساءاته‪،‬‬ ‫أو ما يظن إنها إساءة‪ .‬وال يستطيع أن يغفر‪ .‬وبالتايل يحرم‬ ‫نفسه من مغفرة الله له شخص ًيا‪..‬‬ ‫والغضوب يقع يف كثري من خطايا اللسان‪ .‬فهو تلقائ ًيا‬ ‫يهني َم ْن يرى أنه قد أساء إليه‪ ،‬ويحكم عليه أحكا ًما‪ .‬وقد‬ ‫يَ َتلَفَّظ بكلامت جارحة ويشتم‪ ،‬غري محرتم لغريه‪ .‬ويترصف‬ ‫بأسلوب غري الئق‪ ،‬رمبا يلومه عليه الناس ويفقدون‬ ‫تقديرهم له‪ .‬وهو قد يندم أخ ًريا عىل ما فعله‪ ،‬حينام تهدأ‬ ‫أعصابه الثائرة ويتوقف غضبه‪ .‬ولكن بعد فوات الوقت‪...‬‬ ‫ويكون يف كل ذلك قد وقع يف عدم ضبط النفس‪ ،‬ويف‬ ‫عدم السيطرة عىل األعصاب وعىل اللسان‪ .‬ورمبا يكون‬ ‫فيام قاله عن غريه أثناء ثورة غضبه‪ ،‬قد ظلمه بأحكام هو‬ ‫برئ منها‪ ،‬أو عىل األقل مل يصل أبدً ا إىل مستواها‪ .‬ولكن يف‬ ‫الغضب يتصور الشخص يف من يهاجمه أفكا ًرا مبنية عىل‬ ‫سوء الظن مل تحدث منه ولن تحدث‪.‬‬ ‫وقد يتطور الغضب مبشاعره الخاطئة فيتحول إىل بغضه‪،‬‬ ‫وتتحول هذه البغضة إىل خصومة واىل معارك تستمر‪ .‬ألن‬ ‫ما يخطئ به الشخص يف غضبه‪ ،‬رمبا ال يستطيع أن يعالج‬ ‫نتائجه‪ .‬فيام تلفظ به من شتائم أو إهانات أو تهديدات‬ ‫أو جرح شعور أو اتهامات ظاملة‪ ...‬هذا كله قد يرتك‬ ‫يف نفسية الطرف اآلخر تأثريات عميقة‪ ،‬تح ّول األمر إىل‬ ‫كراهية بينهام‪ !...‬وهكذا حتى لو تاب الغضوب عن غضبه‪،‬‬ ‫رمبا تظل نتائج غضبه باقية‪!...‬‬ ‫ومع الغضب أيضً ا تكمن خطية التهور واالندفاع‪ :‬فغال ًبا ما‬ ‫يكون الغضب مصحوبًا بالترسع‪ ،‬أو يكون نتيجة للترسع‬ ‫واالندفاع‪ ،‬ويأخذ فيه الشخص قرارات أو ترصفات غري‬ ‫مدروسة‪ ،‬وهو يف حالة انفعال‪!..‬‬ ‫وهذا الغضوب يريد أن ينتقم لكرامته أو لحقوقه‪ ،‬ولرد‬ ‫خطية منفرة ومدمرة‬ ‫اعتباره‪ ،‬ويعمل عىل رد ما يرى أنها إساءة مبا هو أشدّ‬ ‫منها!‬ ‫وىف أثناء الغضب يفقد كل فضائل الوداعة والتواضع‪ .‬ألنه‬ ‫يفقد حلمه وهدوءه‪ ،‬ويفقد اللطف والبشاشة والحنو‪،‬‬ ‫ويتحول إىل كائن ثائر هائج الطبع‪ .‬وهو يفقد أيضً ا صفات‬ ‫الشخص املتضع‪ ،‬ألنه كام قال أحد اآلباء الروحيني «إن‬ ‫اإلنسان املتواضع ال ُيغضب أحدً ا‪ ،‬وال َيغضب من أحد»‪.‬‬ ‫فاملتواضع يجلب املالمة عىل نفسه فال يَغضب‪ .‬كام أنه‬ ‫يلتمس بركة كل أحد ودعاه ورضاه‪ ،‬لذلك ال يسمح لنفسه‬ ‫أن يغضب أحدً ا‪.‬‬ ‫والشخص الغضوب يفقد أيضً ا سالمه‪ ،‬ويفقد الكثري من‬ ‫عالقاته‪ ،‬إذ أنه يف غضبه يفقد سالمه الداخيل‪ ،‬سالم القلب‬ ‫والفكر وسالمة األعصاب‪