Tarek El Mahaba | Page 10

الاستعداد للآلام بفرح

كانت نفسية الشُ‏ هداء والمُعترفين فَرِحة وشُ‏ جاعة واثقة ، تسندهم المعونة الإلهية التي وعد الله بها جميع المُضطهدين من أجل اسمه ( لو : ‎21‎
‏(.‏ ‎21‎ لقد أحس المُعترفون بشرف تألُّمهم ( في ‎10‎ : 3 ؛ كو ) ‎24‎ : 1 مُتطلعين إلى المجد العظيم الذي ينتظرهم وينتظر جميع الذين يُحبون ظهوره أيضً‏ ا ‏..‏ وقد تعزُّوا من الرؤى العظيمة المُشجعة ، والتي جعلتهم يرون أكاليلهم ويتطلعون لميراثهم الأبدي حيث المسكن المُستعِد في المدينة التي لها الأساسات .
لقد استعذبوا الألم وسعوا ورائه ، فبهروا العالم كله لا في قبولهم الآلام واحتمالهم العذابات المُرَّة ، بل بفرحِ‏ هِم بها وشكرهم عليها وسعيهم ورائها كعطية ، فحوَّلوا السجون إلى كنائِس يُسمع فيها صوت التسبيح ‏...‏ ليُعطينا الرب أن نفرح في الضيق وأن نُسبِّح في الألم ، عالمين أننا نتألم لنتمجَّد ‏..‏ كثير من الأُمهات كُنَّ‏ يرفُضنَ‏ الاستشهاد ، إلاَّ‏ بعد الاطمئنان على استشهاد أبنائِهِنَّ‏ أمام أعيُنهِن خوفًا عليهم من البقاء بين الوثنيين ، وكثيرون أرسلوا يُشجعون أقربائِهِم في السجون
ويحسدونهم على نعمة الاستشهاد ، حقًا إنَّ‏ الآلام صعبة لكن الانشغال بالمسيح الإكليل واللؤلؤة يُعطي للألم لذة وللنَّفْس سلام وثبات . لقد عانق الشُ‏ هداء الموت في فرح وهدوء وتسليم عجيب أذهل مُضطهديهم ، بعد أن أيقنوا حلاوة المجد الأبدي والميراث الذي ينتظرهم . ويمُ‏ كننا أن نقول أنَّ‏ كل من تمتَّع بخلاص الله العجيب اتحد بالمُخلِّص المصلوب يُصلب عن العالم ، ومن مات عن العالم تمتَّع بالعِشق الإلهي والفرح

كيف أعدت الكنيسة أولادها للاستشهاد ؟

الاستشهاد اختبار تَقَوِي يومي يحيا فيه المؤمن ، والكنيسة كجسد المسيح المُتألِم ، يلزمها قبول سِ‏ ماَ‏ ت المسيح الرأس حتى تكون لها شرَ‏ ‏ِكة الحُب الحقيقي والوحدة التي بين العريس المُتألم وعروسه ، بين الرأس والجسد ( الأعضاء ‏(.‏ لذلك الكنيسة العروس تُكمِّل نقائِص شدائِد المسيح بالألم ( كو : 1
) ‎24‎ فالمسيح هو العريس والرأس وحجر الزاوية ‏...‏ ولمَّا كانت الكنيسة أُم جميع المؤمنين ، لذلك سلَّمت أولادها صراحة الإيمان ، وجعلتهم يستعدون للمعركة الروحية غير واضعين أمامهم سوى مجد الحياة الأبدية وإكليل الاعتراف بالرب ، غير مُهتمين بما يُقابلهم من عذابات ، لأنها ستكون كتلك التي عبرت وانتهت ‏...‏ ولأنَّ‏ الحرب قاسية وشديدة تلك التي تُهدد جنود المسيح ، لذلك هيَّأتهم ليشربوا كأس دم
المسيح اليومي حتى يُعطيهم إمكانية تقديم دمهم مسفوكًا لأجله ، لأنَّ‏ من قال أنه ثابِت فيه ينبغي أن يسلُك كما سَ‏ لَكَ‏ ذاك ( ‎1‎يو ‏(.‏ 6 : 2
المسيح عريس الكنيسة ورأسها وأُسقفها هو الذي يُتوِج خُدامه الذين أُعِدَّت أفكارهم وحياتهم للاعتراف والاستشهاد ‏...‏ فهو لا يرغب في دَمِنَا بل يطلُب إيماننا . لهذا حرصت أُمنا البيعة المُقدسة على إعداد
أولادها للاستشهاد لا بخوف كالعبيد بل بحُب كما يليق بأبناء أحرار ، فيا لها من كنيسة مجيدة ومُطوبة تلك التي صار فيها دم الشُ‏ هداء مُمجدًا ‏!!‏ لقد كانت بيضاء قبل استشهاد هؤلاء العِظَام ، والآن بعد أن أعدَّتهُم الكنيسة للشهادة فشهدوا ، صارت قُرمُزية بدم الشُ‏ هداء ، ولم يعُد ينقُصها زهور بيضاء ولا زنابِق حمراء . ( انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى ‏(.‏ لذلك تُجاهد الكنيسة لتُعِد أولادها بجهاد عظيم غير مُتزعزِع لأجل المجد ، فينال أولادها أكاليل بيضاء بجهادِهِم في غير زمن الاستشهاد ، وينالون أكاليل قُرمُزية مُخضبَّة بدِ‏ ماء شهادتِهِم في زمن الاستشهاد ، عندئذٍ‏ يكون في السماء لكلٍ‏ منهم زهوره التي يتمجد بها جنود المسيح ‏..‏
‎10‎