Tarek El Mahaba Tarik El Mahabba -February Issue | Page 4

سقطات في هروب يونان

قداسة البابا شنودة الثالث

سنري بعضا من ضعف يونان في موقفه من دعوة الرب ، يقول الكتاب : وصار قول الرب الي يونان بن امتاي قائلا : قم اذهب الي نينوي المدينة العظيمة ، وناد عليها ، لانه قد صعد شرهم امامي ، فقام يونان ليخرج الي تر شيش من وده الرب .
وهنا نري يونان النبي وقد سقط في عدة اخطاء . وكانت السقطه الاولي له هي المخالفه والعصيان . * لم يستطيع ان يطيع الرب في هذا الامر ، وهو النبي الذي ليس له عمل سوي ان يدعو الناس الي طاعه الرب . عندما نقع في المخالفه ، يجدر بنا ان نشفق علي المخالفين ، واضعين امامنا قول الرسول « اذكروا المقيدين كانكم مقيدون ايضا مثلهم ..»( عبرانيين ). ٣ : ١٣ ان كان الله القدوس الذي بلا خطيه وحده يشفق علي الساقطين ، فالاجدر بنا ان نشفق عليهم نحن الذين نسقط مثلهم ، ومع ذلك فان يونان سقط ، ولكنه مع ذلك لم يشفق ..!
* علي ان سقطة المخالفه التي وقع فيها يونان ، كانتتخفي وراءها سقطه اخري اصعب واشد هي الكبرياء ممثله في الاعتزاربكلمته ، وترفعه عن ان يقول كلمه وتسقط الي الارض ولاتنفذ . كان اعتزاره بكلمته هو السبب الذي دفعه الي العصيان ، وحقا ان خطبة يمكن ان تقود الي خطيه اخري ، في سلسله متلاحمة الحلقات . كان يونان يعلم ان الله رحيم ورؤؤف ، وانه لابد سيعفو عن هذه المدينه اذا تابت وهنا سبب المشكله !
وماذا يضيرك يا يونان في ان يكون الله رحيم ويعفو ؟!‏ يضيرني الشي الكثير : ساقول للناس كلمه ، وكلمتي ستنزل الي الارض . سانادي بهلاك المدينه بسبب خطاياها ، ثم لا تهلك المدينه ، وتسقط كلمتي ، وتضيع كرامتي وهيبتي . هذا الرب لا استطيع السير معه علي طول الخط . لو كان يثبت علي تهديده ، كنت
اثبت معه ! لكني سانادي بهلاك المدينه ، فتتوب المدينه ، ويعود الرب فيشفق ، ولا تهلك المدينه وتسقط كلمتي ، فالافضل اني لا اذهب حرصا علي كرامتي الشخضيه ، وحرصا علي سمعتي ، وعلي هيبة النبوة !!
الي هذا الحد كان يونان متمركزا حول ذاته ! لم يستطع ان ينكر ذاته في سبيل خلاص الناس . كانت هيبته وكرامته وكلمته اهم عنده من خلاص مدينه باكمله .. من اجل هذا هرب يونان من وجه الرب ولم يقبل القيام بتلك المهمه التي تهز كبرياءه .. وكان صريحا مع الرب في كشف داخليته له اذ قال له فيما بعد عند عاتبه : اه يا رب ، اليس هذا كلامي اذ كنت بعد في الارض ، لذلك بادرت الي الهرب الي تر شيش ، ولاني علمت انك رؤؤف ور رحيم بطي الغضب وكثير الرحمه ونادم علي الشر )« يونان .( ٢ : ٤
* وكان هرب يونان من وجه الي يحمل في ثناياه خطيه اخري هي الجهل وعدم الايمان . هذا الذي يهرب من الرب ، الي اين يهرب ، والرب الموجود في كل مكان ؟!‏ ان الله موجود في السفينه التي ستركبها ، وفي البحر الذي سيحمل السفينه . وفي ترشيش الذي ستهرب اليها ، فاين تريد ان تختفي من وجه الرب ؟!‏ صدق داود النبي حينما قال للرب :» اين اذهب من روحك ؟ ومن وجهك اين اهرب ؟ ان صعدت الي السموات فانت هناك وان فرشت في الهاويه فها انت . ان اخذت جناحي الصبح وسكنت في اقاصي البحر ، فهناك ايضا
تهديني يدك وتمسكني يمينك »( مزمور‎١٣٩‎ _ ٧ ). ١٠ : اما يونان فكان مثل جده ادم ظن انه يختفي من وجه الرب وراء الشجر .... اكان يونان يظن ان الله غير موجود في السفينه او في البحر ، وانه ممكن ان يفلت من يده ؟!‏ اليس في هذا منتهي الجهل وعدم الايمان بقدرة الله غير المحدودة ؟!‏ ام تراه عملا طفوليا لجا اليه انسان حائر لا يعرف كيف يتصرف ؟!‏ وما درى ان امر الله سيلاحقه في كل موضوع ...! حقا ان الخطيه تطفي في الانسان نور المعرفه ، وتنسيه حتي البديهيهات ! وجد يونان في يافا سفينه ذاهبهالي ترشيش فدفع اجرتها ونزل فيها ... والعجيب ان الخطيه كلفته مالا وجهدا دفع اجرة السفينه ليكمل خطيته اما النعمه فننالها مجانا عجيب ان نتعب فيما يضرنا ونبذل وننفق لعلها كانت بركه ليونان لو انه لم يكن يملك دراهم في ذلك الوقت نساعده علي السفر والعصيان . عندما دفع يونان اجرة السفينه خسر خسارة مزدوجة خسر ماله ، وخسر ايضا طاعته ونقاوته .... هذه فكرة عن يونان في هروبه وعصيانه فماذا كان موقف الله من ذلك ؟؟
العجيب ان الله استخدم عصيان يونان للخير ، حقا ان الله يمكنه ان يستخدم كل شي لمجد اسمه ......
4