Tarek El Mahaba September | Page 8

الآلام والتجارب والأحزان
الله يسمح بالألم لنفعنا إذا لحقت العواصف والأمواج العاتية بأية سفينة مسافرة في البحار ، فإنها تتحطم وتغرق ، إلا إذا كان قبطانها الذي يقبض على دفة السفينة خبيرا بالبحار ، كذلك كل من يصادفه الضيق والتجارب والأحزان ، يمكن أن تتحطم روحه ، وأمله في الخلاص أيضا يتحطم ، إلا إذا كان يسترشد بتعاليم إلهنا له المجد .
مهما كانت مشاكلك ، يحبنا : ل عليك الفقر ، أو فقدت وضعك العالمي ، وأجبرت أن تنزل إلى حياة مشينة ، أو أصابك مرض أو ضعف ، أو فقدت أحد أولادك أو أحبائك ، أو ثقل عقلك أو قلبك بالهموم ، أو تغطى جسدك بقروح الجذام ، أو ابتعد عنك الناس وتجنبوك ، لا تسمح لنفسك أن تنكسر بأي من هذه الأحزان الفظيعة ، بل إسعى إلى السلام الداخلي في تعاليم الله ، وحينئذ ستجد العزاء الكامل ، إذا قرأت في تعاليم ووصايا سيدنا له المجد ، فستصبح قبطانا جيدا تدير سفينتك إلى ميناء هادئة ، وتجد نفسك منقادا إلى الهدوء والسلام الداخلي . الله يؤدبنا لأنه يحبنا :
لا تفكر يا صديقي عندما تحل عليك واحدة من هذه المحن أن هذا نتيجة كره الله لك ، فأرسل عليك هذه التجارب كعقاب ، أو حبه قد تغير نتيجة لأفعالنا ، بل إصغي إلى كلام الله من خلال حكمة سليمان قائلا : « يا أولادي لا تبتعدوا عن التصاقكم بالله عند تأديبه إياكم لأن تأديب الرب هو علامة حبه لكم « ( أم ‏(،‏ ‎11‎ : 3 ( عب – 5 : ‎12‎
‏(،‏ ‎11‎ الوالدان لا يتوانيان في عقاب الابن المذنب الذي يحبونه جدا وكذلك المدرس غالباً‏ يضرب التلميذ حتى يصلح سلوكه . كذلك الله يؤدب الصدّ‏ يق حتى يجعله يعيش حياة أفضل في المستقبل ، وأيضا ليؤنبه على أعماله السابقة . أنا سأثبت هذا الكلام من وحى الروح القدس ، لكن قبل أن أفعل هذا سأريكم أن الله يسمح للصدّيق بالتجارب ، حتى تظهر استحقاقاته بأكثر وضوح ، كما قال معلمنا يعقوب في رسالته : « احسبوه كل فرح يا إخوتي حينما تقعون
في تجارب متنوعة عالمين أن امتحان إيمانكم ينشئ صبراً‏ وأما الصبر فليكن له عمل تام لكى تكونوا تامين وكاملين غير ناقصين في شيء « ( يع ‎4-2‎ : 1 ‏(،‏ ثم قال « طوبى للرجل الذي يحتمل التجربة لأنه إذا تزكى ينال إكليل الحياة الذي وعد به الرب للذين يحبونه « ( يع ‏(.‏ ‎12‎ : 1
ولهذا يا أصدقائي لابد أن نفرح عندما نعانى آلاما متعددة ، أو نجّرب بحروب عنيفة من قبل الرب إلهنا العادل . فأننا لا نفرح فقط إذا كان كل شيء يسير على ما يرام ، بل نفرح عندما يكون كل شيء ضدنا ، ونتذكر كلام بولس الرسول « نفتخر على رجاء مجد الله وليس ذلك فقط بل نفتخر أيضاً‏ في الضيقات عالمين أن الضيق ينشئ صبراً‏ والصبر تذكية والتذكية رجاء والرجاء لا يخزى لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا « ( رو – 2 : 5 6 ‏(.‏ كثيراً‏ من الفوائد تعطى للصديق من خلال خبراته في التجارب ، وبنفس الطريقة الأرض لا تثمر وتصبح غنية ما لم يتعب فيها الفلاحون ، ويعملون بجهد كبير في زراعتها ، وبدون بذل هذا المجهود ليس فقط أن الأرض تقف عن إعطاء ثمرها لجنس البشر ، بل ستتحول إلى النقيض وتنبت الشوك والحسك .
لهذا إذا لم يتحمل الناس المتضعين الآلام القاسية التي تجلبها عليهم المحن التي يتعرضون لها فأنهم سيقعون باستمرار في الخطية وينحرفون عن الطريق الصحيح . لقد تعلمنا هذا من معلمنا بولس الرسول الذي كان رجلاً‏ فاضلا بحق ، وأُخذ إلى السماء الثالثة ودخل الفردوس ، سمع كلمات لا ينطق بها ولا يسوغ لإنسان أن يتكلم بها ، وأكتشف أن التدبير الإلهي قد أرسل ملاك الشيطان ليعذبه حفظاً‏ له من التكبر ، فأعلن ذلك إلى أهل كورنثوس قائلاً‏ : « لئلا أرتفع بفرط الإعلانات أعطيت شوكة في الجسد ملاك الشيطان ليلطمني لئلا أرتفع ، من جهة هذا تضرعت إلى الرب ثلاث مرات أن يفارقني ، فقال لي تكفيك نعمتي لأن قوتي
في العف تكمل ، فبكل سرور أفتخر بالحرى في ضعفاتى لكى تحل علىّ‏ قوة المسيح ، لذلك أسرُ‏ بالضعفات والشتائم والضرورات والإضطهادات والضيقات لأجل المسيح لأني حينما أنا ضعيف فحينئذ أنا قوى « ( ‎2‎كو
) ‎10-7‎ : ‎12‎
ليتنا نفرح ونتحمل بصبر كل شيء يجربنا به العالم ، ونحن واثقين أننا دائما في الله . لا نكون ساذجين بهذه الدرجة ، حتى نتوقع أن بعدما نتمتع في هذه الحياة طوال الوقت برفاهية وفيرة ، نأخذ أيضاُ‏ في السماء عطايا في الحياة الأخرى . منْ‏ مِن القديسين استطاع أن يتحاشى أو يتحرر من أخطار هذا العالم ؟!‏ فلو فحصت حياتهم بعناية ستجد أنه لا يوجد قديس واحد هرب من ضيقات هذا العالم ، أو لم يعانى من تجارب هذا العالم بصبر ، لكى يصل إلى حقيقة المجد الغير قابل للفساد . كان لأب الآباء إبراهيم إيمانا عميقاً‏ وأحب الله واستعد لأن يغمد السكين في جسد ابنه الحبيب إسحق ، واختار أن يصير قائلا أفضل من أن يصير غير أمين لوصايا الله ، وكأنه سمع مسبقا كلام مخلصنا حينما قال « من أحب ابنا أو ابنة أكثر منى فلا يستحقني « ( مت ) ‎37‎ : ‎10‎ فلكي يكون مستحقا لله اتبع الوصايا الإلهية وقدم ابنه الوحيد كضحية ، دون أي إحساس بالأسى . لأنه سوف يقتل وريثه الوحيد . لماذا لم يشعر بالحزن ؟ ذلك لأن قلبه كان مفعما بمحبة الله ونار إيمانه حطّم كل الأحزان . هذا هو نوع من الرجال الذين أحبوا الله بالحقيقة ، والذي تكلم الله عنه وشهد له قائلا : « الآن علمت أنك خائف الله فلم تمسك ابنك وحيدك عنى « ( تك
) ‎12‎ : ‎22‎
كان لا يمكن بدون هذه التجربة والضيقات ، وتحمله لكل شيء أن يستحق أن يدعى أبا لكل القديسين
8