Tarek El Mahaba May Issue | Page 8

8
المسيح وفي سبيل كلمته . فالمسيحي الحقيقي يقول ما قاله الرسول : إن نفسي ليست ثمينة عندي ، حتى أتمم بفرح سعيي : أتمم بفرح لا بضيق ولا بألم ولا علي الرغم مني ، إنما أتمم بفرح سعيي ، فأنا في الحياة أقوم بواجبي بفرح ، في الحياة الحاضرة أحيا في الدنيا فرحا بالرب افرحوا في الرب كل حين نقول هذا الكلام لماذا ؟ لأن هناك بعض الناس من غير المسيحيين عندما يقرأون عن الشهداء يقولون أنهم كانوا متضايقين من الدنيا ومتعبون وكانوا ينتحرون ، هذا تأويل بعض الكتاب ، وبعض من غير المسيحيين لحركة الاضطهاد والاستشهاد المسيحي ، يرون أن الاستشهاد نوع من أنواع الانتحار ‏!!‏ نقول لا ‏..‏ لا ‏..‏ إن المسيحيين الذين استشهدوا لم يستشهدوا بصدد ضيقهم من الحياة ولا يأسا من الحياة ، لأن المسيحي الحقيقي يعيش في الدنيا سعيدا بعلاقته بالله ، لأن الدين يدخل إلي قلبه السعادة ويدخل إلي قلبه الفرح ، وإذا كان هناك مسيحي لا يعيش سعيدا نفسيا في الدنيا ففي الواقع أنه لم يستفد من الدين شيئًا . يوحنا ذهبي الفم عندما أرادوا أن ينفوه إلي خارج حدود إيبارشيته قال لهم : أين تذهبوا بي ؟ إلي أي مكان أذهب ؟ قالوا : إلي بلد بعيد وبعيد جد ، إلي مكان قاحل ، قال : لا يهمني ، أنا أسأل سؤالا : هل هناك الله ؟ قالوا له : الله موجود في كل مكان ، قال إذن كل مكان بالنسبة لي سواء ، أنا سعيد بربي في هذا المكان وسعيد به في أي مكان آخر ، هذا لا يزعجني هذا لا يقلقني ما دام الله معي ، ومادمت أنا مع الله فأنا سعيد ولا يعنيني المكان الذي أكون فيه .
هذه هي نظرة القديسين إلي الاستشهاد
هذه روح الإنسان المسيحي الذي يعيش في الدنيا غير متبرم ولا متضايق ولا يائس ولا يتمني الموت من أجل الخلاص من الحياة الضيقة ، ولكنه يعيش في حياته يحس أن الحياة تستحق أن يعيش الإنسان من أجله ، لأنه يحيا في الدنيا ليستعد إلي حياة أخري له هدف في حياته ، وله أمل ، والأمل واضح والهدف واضح وهو لا يتخلف عن هذا الهدف الواضح . إذن الشهداء حينما استشهدوا لم يكن استشهادهم عن ضيق في الحياة ولا عن تبرم ، ولا عن رغبة حقيقية في الموت في ذاته ليتخلصوا من الحياة ، كما يحدث
للإنسان المنتحر ، حاش ، إن نفسه ثمينة ومن أجل أن نفسه ثمينة يسع لخلاص نفسه ولكنه إذا رأي أن خلاصه يقتضي أن يقدم حياته من أجل المسيح لا يتأخر نفسي ليست ثمينة عندي حتى أتمم بفرح سعيي والخدمة التي قبلتها من الرب يسوع نفسه ثمينة في ذاته ، ومن أجلها يسعي لكي يخلص به ، ولكن ليست ثمينة بإزاء رسالته وبإزاء الهدف الذي يحيا المسيحي من أجله في هذه الحياة متطلعا إلي الأبدية متطلعا إلي الآخرة متطلعا إلي جعالة الله العلي ، أنا موقن أنه قادر أن يحفظ وديعتي إلي ذلك اليوم . ولذلك فإن مارمينا وغيره من الشهداء كانوا يعذبون في أجسادهم تحرق أجسادهم ، تقطع أعضاؤهم والناس من حولهم يتعجبون لأنهم لا يرون علي وجوه هؤلاء الشهداء علامة ضيق أو ألم ، لدرجة أن نيرون مرة قال : تبا لهؤلاء الأوغال ، كيف يقابلون الموت بالابتسامة ؟!!‏ كان الأمر بالنسبة له عجبا كيف يقابل المسيحيون الشهداء الموت بابتسامة ، لم يعرف نيرون ، ولا يعرف أهل العالم السعادة التي يعيش فيها السعداء والشهداء في بواطنهم ، في اللحظة التي تقع عليهم الضربات والإهانات والشتائم ، هناك لذة روحية ، لذة عقلية ، هناك شخوص إلي السماء ينسيهم الآلام التي من حولهم ، ويخفف عنهم لأن عقولهم مركزة في السماء ، لأن قلوبهم مرتفعة إلي فوق ، لأنهم في عالم الروح لا يشعرون أهم في الجسد أم خارج الجسد . أحد الشهداء حينما قيدوه بالسلاسل انحني يقبل السلاسل ، وهذا يريكم نظرة الشهداء إلي الاستشهاد نظرة سعيدة ، يقبل السلاسل التي يقيد بها كأنها قطع من ذهب توضع في معصميه أو توضع في رجليه ، لا ينظر إليها علي أنها قيود وسلاسل ، إنما يتطلع إليها علي أنها بركة أنعم بها عليه حتى يكون للمسيح شهيد ، وحتى يترتب علي إيمانه وصبره واستشهاده إيمان الكثيرين من الآخرين المحيطين به ، وبهذا يكون كارزًا باسم سيده ، كارزًا بصمته كارزًا باحتماله وصبره وآلامه .
كيف يبرز الرب إيمان الشهداء ؟!!‏ يمجدون بفضيلتهم في الأرض والسماء
هذه نظرة القديسين إلي الاستشهاد ، وهنا واحد يسأل ويقول : ولماذا يتركهم الله ؟ كلما نري ضيقا
في المجتمع كلما نري ضيقا في الكنيسة نقول لماذا الله يسمح بذلك ؟ لماذا الله يترك الاضطهاد يقع علي الكنيسة ؟ لماذا ؟ هذا سؤال كثيرا ما نسأله ، وكثيرا ما نسمع الشعب يردده ، الله لم يترك ، إنما هذا الترك إلي حين ، ليري الله ماذا يصنع الثابتون علي الإيمان ، إنه يعطي فرصة ليظهر إيمان المؤمنين ، يعطي فرصة ليظهر الصبر والاحتمال والحب الذي يبرز في صبر القديسين وفي استشهادهم ، لولا أن الله يتركهم إلي حين ويعطي فرصة للمضطهدين أن يضهطدوا ، كيف يبرز إيمان الشهداء ‏!!‏ لو لم يعطي الله فرصة لأيوب حتى تقع عليه الآلام ، هل كنا نحن نعلم الآن بصبر أيوب ‏!!‏ ومدي الصبر الذي أظهره أيوب في حياته ‏!!‏ لو كان الله تدخل في بدء الأمر لما كان أعطي أيوب فرصة ليظهر صبره واحتماله . إذا كان الله يسمح في بعض الأوقات للكنيسة أن تضطهد ، ولشعبه أن يعامل المعاملة المؤلمة كذلك يعطي فرصة لهذا الشعب أن يظهر حبه وأن يظهر إيمانه وأن يظهر مدي تمسكه به . الله حينما امتحن إبراهيم وقال له قدم ابنك اسحق ذبيحة علي أحد الجبال الذي أعلمك به ، وقام إبراهيم مبكرا وأسرج دابته ، ومشي الطريق الطويل وصعد إلي الجبل العالي ، وصنع مذبحا ورتب علي المذبح الحطب وربط ابنه اسحق علي المذبح كل هذا الطريق الطويل الذي عاناه إبراهيم ، وعاناه معه اسحق ، هل كان الله غافلا ؟ كان الله يري ، ولكن الله تركه ليظهر إبراهيم إيمانه ، وليظهر إسحق طاعته وفي اللحظة المناسبة قال له ارفع يدك إني علمت أنك لم تمنع ابنك وحيدك إسحق عني لذلك بالبركة أباركك وبالكثرة أكثر نسلك فلا تظنوا أبدا أن الله إذ يترك الشدائد أن تحل علي كنيسته ، أن الله غافل عنها أو أن الله تخلي عنها أبد ، إنما هي فرصة من قبله تعالي يتيحها ليظهر فيها إيمان المؤمنين ويظهر صبرهم وتظهر محبتهم ويظهر مدي استمساكهم وبهذا يستحقون المكافأة ويستحقون الجزاء الأخروي وبهذا أيضا يضربون للناس من بعدهم المثل والقدوة والعبرة ، ليتعلم الناس من ورائهم ويعرفوا مدي محبة هؤلاء لله ، ثم يتمثلون بهم ويقتدون بهم ويحتذون بهم ، وهكذا صار لنا تاريخ وصار تاريخ الشهداء مجيدا عظيم ، نعتز به ونفخر علي الأيام أن هؤلاء احتملوا من أجل المسيح وصبروا من أجله ، وأبرزوا إيمانهم به فيكون لنا نحن الأبناء فخر بهؤلاء الآباء فخر البنين آباؤهم ، ونحن