Tarek El Mahaba March Issue | Page 4

فضائل الصوم

قداسة البابا شنودة الثالث

الصدقة والعطاء : الذي يشعر بالجوع في الصوم . يشفق تلقائيا علي الجياع . فيعطيهم . والذي يارس الحرمان الاختياري في الصوم . يشعر بحاجة المحرومين وعوزهم . فتدخل في قلبه مشاعر الرحمة نحو كل هؤلاء . لذلك يكثر في الصوم الإحسان إلي الفقراء . ليس من جهة الطعام فقط . بل في كل احتياجاتهم . ويتأكد الصائم - حينما يعطي - انه لا يعطي من جيبه . انما من حق الله عليه ‏..‏ وما أجمل عبارة ذلك المرشد الروحي الذي قال :
« إذا لم يكن عندك ما تعطيه لهؤلاء المساكين . فصم وقدّم لهم طعامك ‏«.‏ هناك جزء من أموالك من المفروض ان تقدمه لله . وهذا تعطيه في فترة الصوم للفقراء . وتقول للرب الاله « من يدك أعطيناك » وتشعر انك فيما تأكل . يأكل هؤلاء الفقراء معك . الزهد قد يتنع الانسان عن الطعام . ولكنه يشتهيه . ولذلك لا يكون السمو في الامتناع عن الطعام . انما في الزهد فيه . الارتفاع عن مستوي الاكل يوصل الي الزهد فيه والي النسك ايضا . فان لم تستطع الوصول الي هذا الزهد والنسك . فماذا تفعل ؟ علي الاقل - من أجل ضبط النفس - لا تأكل وتشرب كل ما تشتهيه نفسك . وان لم تستطع . خذ جزءا ولا تأكل الكل . اترك شيئا . ان دانيال النبي قال عن صومه : كنت صائما ثلاثة اسابيع اياماً‏ . لم آكل طعاما شهيا . ولم يدخل في فمي لحم ولا خمر . ولم أدّهن . هنا يبدو ضبط النفس : ان نفسك تريد . وأنت ترفض أن تستجيب إلي رغبتها .
وتنجح في رفضك . فتكتسب قوة ارادة . ويكن ان تنفذ هذا التدريب بالنسبة إلي رغبات أخري من رغبات النفس . فتصير الرغبات خاضعة لارادتك . ضبط النفس : جميل ولازم ان تضبط نفسك ضد كل رغبة خاطئة . سواء أتتك من داخلك أو من حروب الشياطين . فان الذي يحكم نفسه . خير ممن يحكم مدينة . لذلك امسك زمام ارادتك في يدك . وبخاصة في أيام الصوم . وكما يشتهي جسدك الأكل والشرب فتمنعه عنهما . وتنجح في منعك . كذلك امنعه عن شهواته الخاطئة . بنفس قوة الارادة التي اكتسبتها من الصوم . واضرب لك هنا بضعة أمثلة :
* الامتناع عن التدخين في أثناء صومك . اجعله يتد بعد ذلك . ولو بأسلوب من التدريج : نصف ساعة ثم ساعة فأكثر . وكلما تشتهي ان تدخن . امنع نفسك علي قدر ما تستطيع . الي ان تبطل هذه العادة الرديئة التي تضيع صحتك ومالك وارادتك . بل تضيع أيضا صحة الذين حولك . من أسرتك أو من أصحابك .
* الامتناع عن الصحبة الرديئة التي تقود إلي أخطاء عديدة . عالما ان المعاشرات الرديئة تفسد الاخلاق الجيدة - والمعروف ان كثيرا من الشباب قد تعود الادمان علي المخدرات عن طريق مجموعة من الاصدقاء قادته الي ذلك . فتورط معهم . وتدرج حتي خضع للمخدر .
* الامتناع عن قراءة المجلات الماجنة . والكتابات المفسدة للفكر . يبدأ هذا المنع في الصوم . ويستمر بعده ‏..‏ وهكذا يستمر عامل المنع عندك بالنسبة الي كل شيء ضار . وتكتسب فضيلة ضبط النفس التي تنفعك في كل نواحي حياتك . ان قهر الجسد - بضبط النفس - هو وسيلة تأخذ به الروح حريتها . وضبط الجسد لازم . حتي لا ينحرف فيهلك الروح معه . وحينما يكون الجسد منضبطا . تمسك الروح بدفة الموقف . وتدبر مسيرة الحياة كلها . والجسد حينذاك
لا يقاومها . بل يخضع لقيادتها ويشترك معها في كل عمل صالح . صوم اللسان والفكر قال أحد الآباء الروحيين في هذا المعني : صوم اللسان خير من صوم الفم عن الطعام . وصوم القلب عن الشهوات الرديئة خير من صوم الاثنين « اللسان والفم ‏«.‏ ومع صوم القلب عن الشهوات . يصوم الفكر ايضا عنها . وللاسف : غالبية الناس أثناء الصوم . يهتمون فقط بصوم الفم عن الطعام . بينما القلب والفكر هما الأهم . وكذلك أخطاء اللسان ما أخطرها . لان اللسان يفضح ما في القلب من المشاعر والأحاسيس حتي التي يريد ان يخفيها . وصوم اللسان معناه ألا يأخذ حريته في الكلام بكل جيد ورديء . بل كما قال داود النبي « ضع يا رب حافظاً‏ لفمي . باباً‏ حصيناً‏ لشفتيّ‏ ‏«.‏ لذلك فالانسان الصالح لا يسرع بنطق أية كلمة تخطر علي عقله . بل انه يصوّم فمه عن الكلام الرديء . ويضبطه فلا يلفظ إلا الكلام الصالح الذي للبنيان الذي يستفيد به كل من يسمعه . كذلك صوم الفكر فلا يسمح الانسان لأية فكرة ان تجول بذهنه . ولا يتمشي معها ما دامت فكرة خاطئة . بل يصوم عنها ذهنه . ولا يعطي الذهن فرصة ليتغذي بمثل هذه الأفكار . والأفكار تنبع من القلب . ثم تعود اليه وتصبح مشاعر ولذلك فان صوم الفكر وصوم القلب . يتبادلان المواقع معا . كسبب ونتيجة . ان صوّمت قلبك عن الشهوات الرديئة . فسوف يصوم فكرك تلقائياً‏ عنها . إذ لا يرد اليه من القلب ما يغذيه ‏..‏ وبالمثل ما يرد إلي القلب من نيات . ان صوّم الانسان قلبه عنها . فلن تصل الي الارادة . فتصوم الارادة حينذاك عن تنفيذ كل نية شريرة . لانها لم تصدر عن القلب الصائم . اذن المهم هو صوم القلب والفكر عن كل رغبة خاطئة . أما صوم الجسد فهو أقل شيء . الاعتكاف والصمت الاعتكاف والصمت لازمان للعمل الروحي خلال الصوم . ففي اعتكافه . يصمت الصائم . وإذ لا يوجد من يتكلم معه . فانه يكلم الله . أي يصلي . والمعروف ان الصائم - في حالة نسكه وجوعه - قد يكون في حالة من ضعف الجسد لا تساعده علي بذل مجهود في الحديث - لذلك يصمت ويصلي . أو يستغل وقته في قراءات روحية . فالاعتكاف له أليق وأنسب . وفي صومه تكون روحه منشغلة بالتأمل في الالهيات . لذلك فاللقاءات والأحاديث تعطله عن العمل الروحي داخل قلبه ‏..‏ وأيضا فان الزيارات - ان قام بها - تمنع تفرغه . حاول اذن ان تعتكف في صومك . لتنشغل بصلواتك وقراءاتك الروحية وتأملاتك . وان اضطررت إلي الخلطة . فليكن ذلك في أضيق الحدود . وعليك اذن ان تتخلص من الوقت الضائع . لكي تقضيه مع الرب الهك .
4