Tarek El Mahaba March Issue | Page 17

الجرة المكسورة

كان هناك رجل ( سقا ) يعيش في الهند . اعتاد أن يحمل جرتيه المثبتتين في طرفي عصاه الطويلة التي يحملها خلف رقبته ، بحيث تتدلي جرة ناحية الكتف الأيسر والأخرى ناحية الكتف الأين . وكانت احدي الجرتين بها شرخ يؤدي إلي تسرب الماء منها كلما ملأها السقا . فكان كلما خرج ليملأ جرتيه من البئر ، يعود إلي بيت سيده بحمولة جرة ونصف ، لأن الماء يكون قد تسرب من الجرة المشروخة وانسكب علي طول الطريق من البئر إلي البيت . وكانت الجرة السليمة تعاير المشروخة بهذا العيب الكبير الذي فيها ، حتى شعرت الجرة المكسورة بمرارة شديدة في داخلها ، بسبب عدم قدرتها علي القيام بواجبها علي أكمل وجه . ظل الحال هكذا لمدة عامين والجرة المكسورة يزداد لديها الإحساس بالنقص وصغر النفس ، وأخيرا قررت أن تتكلم مع السقا ‏.........‏ فقالت له : « إنني أشعر بالخجل و الخزي ، وأريد أن أقدم لك اعتذاري ‏«.‏ فسألها السقا باندهاش :
« علام تعتذرين ؟؟!«‏ فقالت له الجرة المشروخة : « علي هذا العمل الناقص الذي أقوم به ، فبسبب الشرخ الموجود في ‏..‏ أنا لا أستطيع أن أحتفظ بالماء كاملا في داخلي ، بل ينسكب نصفه علي الطريق ‏..‏ فأنت تبذل كل الجهد ، ولا تأخذ أجرتك كاملة ‏«.‏ أحس السقا بمشاعر الجرة المكسورة ، وفي كلمات حانية قال لها : « في طريق عودتنا من البئر إلي بيت السيد ، أنظري تحتك علي تلك الزهور الجميلة التي تنبت علي طول الطريق ‏«.‏ وبالفعل نظرت الجرة كما نصحها السقا ، فلاحظت أن الطريق كله مملوء بزهور جميلة ذات ألوان خلابة تنمو علي طول الطريق من البئر إلى بيت السيد ، ففرحت لوقتها ‏..‏ و لكنها سرعان ما عاد لها الشعور بالخزي بسبب الماء الذي ينسكب منها علي الطريق وراحت تعتذر للسقا الذي بادرها قائلاً‏ : « هل لاحظت أن تلك الزهور الجميلة . تنمو فقط في جانبك أنت . ولا تنمو في الجانب الآخر الذي به الجرة
السليمة ؟ هذا لأنني من البدء لاحظت هذا الشرخ ( العيب ) الذي تعانين منه . فقررت أن أستفيد منه بأن أغرس بعض البذور التي تنبت زهورا جميلة وخلابة علي طول الطريق من البئر إلى بيت السيد ، كان ماؤك ينسكب علي البذور حتى نمت وصارت زهورًا جميلة وخلابة . وأنا أقطف منها كل يوم لأزين بها بيت سيدي منذ أن بدأت منذ سنتين . فبدون هذا الشرخ الذي فيك ، ما استطعت أن أجمل بيت السيد بتلك الزهور الجميلة . نعم يا أحبائي ‏..‏ فكل منا به شرخ أو نقص معين ، كتلك الجرة المشروخة . و لكن ، بسبب نعمة الله الغنية العاملة فينا ، فان شروخنا ونقائصنا . تتحول إلي أمور نافعة ، عندما يتعامل الله معها . ففي اقتصاد الله ‏..‏ لا شيء يضيع ‏!!‏
‎17‎