6
يشهد العالم اليوم تناقضين أساسيين ، إذ بينما كثرت إطار العولمة ، وما يمكن أن نسميه « العولمة الدينية «، أو « العولمة العقائدية «. ويستدعى هذا أن ينمو الإنسان الأرثوذكسى فى أمرين :
1- معرفة العقيدة الأرثوذكسية ، وكيف أنها مطابقة للكتاب المقدس ، والتقليد الكنسى ، وأقوال الآباء .
2- معايشة الحياة الأرثوذكسية ، داخل الكنيسة وفى حياته الخاصة والأسرية ، من خلال الممارسات البناءة مثل : حضور القداسات ، والمواظبة على صلوات الأجبية ، والصلوات السهمية والحرة ، وكذلك من خلال التسبيح والألحان ، والإندماج فى المناسبات الكنسية على مدار السنة ، سواء فى الأصوام أو الأعياد ... الخ .
وكمثال لذلك ... نتحدث عن القيامة فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ، إذ نراها واضحة فى عديد من الأمثلة :
1- الصوم الكبير وفيه يصوم المؤمن الأربعين المقدسة ، وأسبوع الإستعداد ( فرق السبوت (، ثم اسبوع الآلام ... وفى هذا الصوم ، الذى يسميه الآباء « ربيع السنة الكنسية «، أو « ربيع الحياة الروحية «، يتمتع المؤمن بالكثير من العطايا مثل : الصوم الإنقطاعى ، وما يعطيه من ضبط للجسد ،? واشباع للروح ، من خلال الصلوات والنهضات والتناول ... أناجيل التوبة ، التى تؤكد ? لنا قبول الرب لكل التائبين :
- مهما كانت خطيتهم بشعة كالإبن الضال .
- أو متكررة كالسامرية . - أو لمدة طويلة كالمفلوج . - أو حتى للمولودين بها ، كالمولود أعمى ؛ إذ نخلص
القيامة والحياة الارثوذكسية
من كل هذا بالمعمودية ، والتوبة المستمرة . وهكذا ننتصر بالمسيح على عدو الخير ، مع دخوله الإنتصارى إلى أورشليم فى أحد السعف ، فنستطيع أن نجتاز معه وادى الألم فى أسبوع الآلام .
2- أسبوع الآلام حيث الدسم الروحى بقراءات متعددة من المزامير والأناجيل ، تشرح لنا آلام الرب ، وتسير معه يوماً بيوم ، وساعة بساعة ، وحيث نسجد عند أقدام صليبه ، هاتفين بكل قوة : « لك القوة والمجد والبركة والعزة إلى الأبد آمين ، يا عمانوئيل إلهنا وملكنا » مؤكدين إيماننا بألوهيته ، وبفدائه العجيب ، وحبه اللانهائى ، ومستعدين أن نجتاز معه موت الصليب ( بالمعمودية والتوبة والمطانيات والإماتة (، واثقين أن بعد الموت تكون القيامة ، وبعد الصليب يكون القبر الفارغ !
3- ليلة أبو كالبسيس وتسمى شعبياً « أبو غالمسيس «... حيث نسهر بجوار قبر السيد المسيح فى طقس رائع ، ينقسم إلى ثلاثة أقسام : أ- تسابيح الخلاص ... من العهدين ، إعلاناً بأن الرب أتم الخلاص ، وقال : « قد أكمل » ، ونزل إلى الجحيم ، وحرر المسبيين ، ودخل بهم إلى الفردوس . ب- سفر الرؤيا ... حيث السماء التى انفتحت ، والفردوس الذى عاد ، وحيث رجاء الخلود الأبدى ، بعد انتهاء هذا الزمن الفانى . ج- قداس سبت النور ... حيث نفرح بالمسيح الذى قطعاً سيقوم فجر الأحد ، وذلك بعد أن أنجز المهمة الخلاصية المجيدة ، التى جعلته يعد اللص اليمين التائب : « اليوم تكون معى فى الفردوس » ... وذلك استعداداً لقداس العيد .
4- قداس عيد القيامة بأفراحه الممتازة ، وألحانه المبهجة ، بدءاً من لحن « السبعة طرائق » فى بخور باكر ، وحتى بهجة التناول من الجسد والدم الأقدسين ، مروراً بطقس « تمثيلية القيامة » وزفة أيقونتها ... حيث نادى من فى الخارج : « اخرستوس آنستى «، فجاوبهم من فى الداخل :
« آليثوس آنيستى «... وإذ تنفتح الأبواب الدهرية ، يدخل ملك المجد إلى عرشه المجيد ، وتصدح جوقات الشمامسة لحن القيامة الجميل :
« ياكل الصفوف السمائيين ... رتلوا لإلهنا بنغمات التسبيح ... قد قام الرب مثل النائم ... وكالثمل من الخمرة ... ووهبنا النعيم الدائم ... وعتقنا من العبودية
المرة ...«.
نيافه الانبا موسى
مع ألحان أخرى جميلة مثل :
« طون سينا نارخون لوغون «... ومعناه : « نسبح نحن المؤمنين ونمجد الكلمة المساوى للآب والروح فى الأزلية وعدم الإبتداء ، المولود من العذراء لخلاصنا ، لأنه سر وارتضى بالجسد أن يعلو على الصليب ، يحتمل الموت وينهض الموتى ، بقيامته المجيدة «. و » توليثوس «... ومعناه : « أن الحجر لما ختم من اليهود وجسدك الطاهر حفظ من الجند ، قمت فى اليوم الثالث أيها المخلص ، مانحاً هذا قوات السموات هتفوا إليك يا واهب الحياة المجد لقيامتك أيها المسيح ، المجد لملك المجد لتدبيرك ، يا محب البشر وحدك «. وبينما الكل يهتف باللحن الشعبى الرائع : « اخرستوس آنستى «... المسيح قام من الأموات .. بالموت داس الموت .. والذين فى القبور .. أنعم لهم بالحياة الأبدية «. ترتفع أبصارنا نحو السماء ، وتمتد آفاق أفكارنا نحو الأبدية العتيدة ، والخلود المجيد .
5- الخمسين المقدسة إذ تبدأ بشم ? النسيم ، حيث تتفتح الزهور ، ونأكل البيض ، تذكاراً للبيضة التى ذهبت بها المجدلية إلى بيلاطس ، لتشرح له حقيقة القيامة ، وكيف أن داخل البيضة ، مع بعض التدفئة ، كتكوت صغير حىَ ، سيخرج منها وهى مغلقة ، ودون أن يفتح له أحد . فكم بالحرى خالق الكون ، كيف لا يخرج وأبواب القبر مغلقة ، ودون أن يفتح له أحد ، وهو رب الحياة ، ومانح الحياة !!
? وتستمر أيام الفرح حيث لا صوم ، فالعريس فى وسطنا ، ولا سنكسار إذ كيف نتحدث عن قديسين فى حضرة قدوس القديسين ، ولا مطانيات فلماذا الإنسحاق وقد أعطانا الرب قوة قيامته ... وهكذا تجعلنا الكنيسة نحيا فى بركات القيامة العديدة ، كما تتضح من خلال قراءات الخمسين المقدسة ، فالرب هو : الحياة ، والنور ، والحرية ، والخلاص ، والمجد . وتختار لنا الكنيسة فصولاً مناسبة من الأناجيل والرسائل والمزامير ، تتفق مع جلال المناسبة المجيدة ، والقيامة المفرحة .