Tarek El Mahaba April Issue | Page 12

أسبوع الآلام هو أقدس أيام السنة وأكثرها روحانية

لنيافة الانبا باخوميوس

‎12‎
هو أسبوع مملوء بالذكريات المقدسة فى أخطر مرحلة من مراحل الخلاص , وأهم فصل فى قصة الفداء وقد أختارت الكنيسة لهذا الأسبوع قراءات معينة من العهدين القديم والحديث , كلها مشاعر وأحاسيس مؤثرة للغاية توضح علاقة الله بالبشر . كما أختارت له مجموعة من الألحان العميقة , ومن التأملات والتفاسير الروحية . ويسمونه أسبوع الآلام , أو أسبوع البصخة المقدس , أو الأسبوع المقدس . ففى اللغة الإنجليزية يقولون عنه The Holy
( Week الأسبوع المقدس ‏(,‏ وكل يوم فيه هو أقدس يوم بالنسبة إلى أسمه فى السنة كلها . فيوم الخميس مثلاً‏ يسمونه The Holy Thursday أى الخميس المقدس . ويوم الجمعة يسمونه The Holy Friday أى الجمعة المقدسة , وهكذا … كان هذا الأسبوع مكرساً‏ كله للعبادة , يتفرغ فيه الناس من جميع أعمالهم , ويجتمعون فى الكنائس طوال الوقت للصلاة والتأمل . كانوا يأخذون عطلة من أعمالهم , ليتفرغوا للرب ولتلك الذكريات المقدسة . ولا يعملون عملاً‏ على الإطلاق سوى المواظبة على الكنيسة والسهر فيها للصلاة , والأستماع إلى الألحان العميقة والقراءات المقدسة ‏….‏ ما أكثر الناس الذين يأخذون عطلة فى الأعياد والأفراح , وفى قضاء مشاغلهم . ولكن ما أجمل أن نأخذ عطلة لنقضيها مع الله فى الكنيسة . الملوك والأباطرة المسيحيون كانوا يمنحون عطلة فى هذا الأسبوع . كانوا يمنحون جميع الموظفين فى الدولة عطلة ليتفرغوا للعبادة فى الكنيسة خلال أسبوع الآلام . وقيل إن الأمبراطور ثيؤدوسيوس الكبير كان يطلق الأسرى والمساجين فى هذا الأسبوع المقدس ليشتركوا مع باقى المؤمنين فى العبادة , لأجل روحياتهم وتكوين علاقة لهم مع الله . ولعل ذلك يكون تهذيباً‏ لهم وإصلاحاً‏ . وكان السادة أيضاً‏ يمنحون عبيدهم عطلة للعبادة
. فإن كان الوحى الإلهى قد قال عن اليوم المقدس
« عملاً‏ من الأعمال لا تعمل فيه ‏«,‏ فإنه قال أيضاً‏ « لاتصنع عملاً‏ ما , أنت وإبنك وإبنتك , وعبدك وأمتك وبهيمتك , ونزيلك الذى داخل أبوابك » ( خر‎10:20‎ ‏(.‏ حقاً‏ إن عبدك وأمتك لهما أيضاً‏ حق فى أن يعبدا الله مثلك , وأن يشتركا فى قدسية تلك الأيام . من حق الخدم أن يتفرغوا أيضاً‏ من أعمالهم لعبادة الرب . وهكذا حتى فى أعمق أيام الرق , لم تسمح الكنيسة بأن تكون روحيات السادة مبنية على حرمان العبيد . بل الكل للرب , يعبدونه معاً‏ ويتمتعون معاً‏ بعمق هذا الأسبوع وتأثيره ‏……‏ وقوانين الرسل-‏ فى أيام الرق-‏ كانت تحتم أن يأخذ العبيد أسبوع عطلة فى البصخة المقدسة , وأسبوعاً‏ آخر بمناسبة القيامة . فهل أنت تعطل خدمك وموظفيك خلال أسبوع الآلام ؟؟ ومن المعروف طبعاً‏ , أن الناس إن تفرغوا للعبادة فى هذا الأسبوع , وعاشوا خلاله فى نسك , فسوف لا يحتاجون إلى خدم يخدمونهم . وكانت مظاهر الحزن واضحة تماماً‏ فى الكنيسة . أعمدة الكنيسة ملفوفة بالسواد . الأيقونات أيضاً‏ مجللة بالسواد . وكذلك المانجليا , وبعض جدران الكنيسة ‏……‏ الألحان حزينة , والقراءات عن الآلام وأحداث هذا الأسبوع . المؤمنون جميعاً‏ بعيدون عن كل مظاهر الفرح . السيدات تحرم عليهن الزينة خلال هذا الأسبوع . فلا يلبسن الحلى , ولا يتجملن , ولا يظهر شئ من ذلك فى ملابسهن ‏….‏ الحفلات طبعاً‏ كلها ملغاة . الكنيسة كلها فى حزن , وفى شركة الآم المسيح . فهل نحن نحتفظ بهذا الحزن المقدس خلال هذا الأسبوع ؟؟؟ أو على الأقل هل نحتفظ بوقارنا فيه ؟؟ أم نحن نقضى أوقات كثيرة منه فى عبث ومرح ولهو . ونكون خارج الكنيسة فى وضع يختلف عن وضعنا داخل الكنيسة ؟؟!!‏ وكانت الكنيسة فى هذا الأسبوع تعيش فى نسك شديد . بعض النساك كانوا يطوون الأسبوع كله . أو يطوون ثلاثة أيام ويأكلون أكلة واحدة . ثم يطوون الثلاثة أيام الباقية . وكثيرمن المؤمنين كانوا لا يأكلون شيئاً‏ من الخميس مساءاً‏ حتى قداس العيد . وغالبيتهم كانوا لا يأكلون فى أسبوع الآلام سوى الخبز والملح فقط وإن لم يستطيعوا , فالخبز والدقة . أما الضعفاء ,
فعلى الأقل كانوا لا يأكلون شيئاً‏ حلو المذاق من الطعام الصيامى كالحلوى والمربى والعسل مثلاً‏ . لأنه لا يليق بهم أن ياكلوا شيئاً‏ حلواً‏ وهم يتذكرون آلام الرب لأجلهم . كما كانوا لا يأكلون طعاما مطبوخاً‏ . بسبب النسك من جهة , ولكى لا يشغلهم إعداد الطعام عن العبادة من جهة أخرى . وفى كل هذا النسك كانوا يذكرون آلام السيد المسيح . غالبية الأسرار كانت تعطل ما عدا سرى الأعتراف والكهنوت . ما كانوا يمارسون المعمودية ولا الميرون فى أسبوع الآلام , وما كان يرفع بخور ولا تقام قداسات , إلا يوم خميس العهد وسبت النور . وطبعاً‏ من الأستحالة ممارسة سر الزواج . أما سر مسحة المرضى , فكانت تقام صلواته فى جمعة ختام الصوم , قبل أسبوع الآلام . كذلك لم تكن تقام صلوات تجنيز فى هذا الأسبوع . ومن ينتقل فيه لا يرفع عليه بخور , بل يدخل جثمانه إلى الكنيسة ويحضر صلوات البصخة , ويقرأ عليه التحليل مع صلاة خاصة . وصلوات الأجبية كانت تعطل فى أسبوع الآلام . ويستعاض عنها بتسبحة البصخة . وذلك لأن صلوات الأجبية تقدم لنا مناسبات متعددة , ونحن نريد أن نتفرغ لآلام المسيح فقط ‏….‏ فمثلا صلاة باكر , نتذكر فيها ميلاد المسيح , وصلاة نصف الليل نتذكر فيها مجيئه الثانى , وصلاة الساعة الثالثة نتذكر فيها حلول الروح القدس ‏….‏ ونحن نريد فى هذا الأسبوع أن نركز على آلام المسيح فقط . وحتى صلاة الساعة السادسة التى تذكرنا بصلبه , وصلاة الساعة التاسعة التى تذكرنا بموته , نؤجلها إلى يوم الجمعة الكبيرة , لأننا نريد أن نتتبع المسيح فى هذا الأسبوع خطوة خطوة . ومن جهة المزامير ننتقى منها فى هذا الأسبوع ما يناسب . ونترك باقى مزامير التى تشمل معانى كثيرة غير الآلام وغير أحداث هذا الأسبوع المقدس . لماذا سمى هذا الأسبوع بأسبوع البصخة ؟؟ كلمة بصخة معناها فصح ومأخوذة من قول الرب فى قصة الفصح الأول « لما أرى الدم , أعبر عنكم » ( خر ‏(.‏ ‎13:12‎ كانت النجاة بواسطة الدم فى يوم الفصح الأول . والفصح يرمز إلى سلام ونعمة من ربنا يسوع « لأن فصحنا أيضاً‏ المسيح قد ذبح لأجلنا » ( 1 كو ‏(.‏ 5 ونحن فى هذا الأسبوع نذكر الذى قدم نفسه فصحاً‏ لأجلنا , لكى حينما يرى الآب دم هذا الفصح يعبر عنا