Tarek El Mahaba 2018 | Page 15

المحبة أهم الفضائل

‎15‎
إِنْ‏ كُنْتُ‏ أَتَكَلَّمُ‏ بِأَلْسِنَةِ‏ النَّاسِ‏ وَالْمَلاَئِكَةِ‏ وَلَكِنْ‏ لَيْسَ‏ ليِ‏ مَحَبَّةٌ‏ فَقَدْ‏ صرِ‏ ‏ْتُ‏ نُحَاساً‏ يَطِنُّ‏ أَوْ‏ صَنْجاً‏ يَرِنُّ‏ . ‎2‎وَ‏ إِنْ‏
كَانَتْ‏ ليِ‏ نُبُوَّةٌ‏ وَأَعْلَمُ‏ جَمِيعَ‏ الأَسرْ‏ ‏َارِ‏ وَكُلَّ‏ عِلْمٍ‏ وَإِنْ‏ كَانَ‏ ليِ‏ كُلُّ‏ الإِيمَانِ‏ حَتَّى أَنْقُلَ‏ الْجِبَالَ‏ وَلَكِنْ‏ لَيْسَ‏ ليِ‏ مَحَبَّةٌ‏ فَلَسْ‏ تُ‏ شَ‏ يْئاً‏ . ‎3‎وَإِنْ‏ أَطْعَمْتُ‏ كُلَّ‏ أَمْوَاليِ‏ وَإِنْ‏ سَلَّمْتُ‏ جَسَ‏ دِ‏ ي حَتَّى أَحْترَ‏ ‏ِقَ‏ وَلَكِنْ‏ لَيْسَ‏ ليِ‏ مَحَبَّةٌ‏ فَلاَ‏ أَنْتَفِعُ‏ شَ‏ يْئاً‏ ( ‎1‎كورنثوس ‎3-1‎ : ‎13‎ ) تشبه كنيسة اليوم كنيسة كورنثوس إل حدٍ‏ كبير ، فكنيسة اليوم تنقسم لطوائف متعددة ومتنوعة كما كانت كنيسة كورنثوس . وتنبر كنيسة اليوم على مواهب الروح القدس أكثر من تنبيرها على ثمر الروح القدس الذي يبدأ بالمحبة ( غلاطية ‏(.‏ ‎23‎ ، ‎22‎ : 5 كما أن الكنيسة اليوم تنبر على المواهب التي تشد انتباه المشاهد ، مثل التكلُّم بألسنة ، أو الشفاء ، أكثر من تنبيرها على المواهب الأكثر أهمية ، مثل الخدمة والتعليم والوعظ والعطاء والتدبير والرحمة والمحبة ( رومية ‎9-6‎ : ‎12‎ ‏(.‏ وقد ناقش الرسول بولس مواهب الروح القدس في ‎1‎كورنثوس ‎14‎ ، ‎12‎ وبَينْ‏ هذين الأصحاحين جاء أصحاح المحبة . ونحتاج في هذه الأيام أن نتأمل هذا الأصحاح المتوسط ليضبط مواهبنا ، ويوجه إمكانياتنا ، سواء كانت إمكانيات طبيعية أو فوق طبيعية . يقول الرسول بولس في نهاية أصحاح « ‎12‎ جِدُّوا لِلْمَوَاهِبِ‏ الْحُسْ‏ نَى . وَأَيْضاً‏ أُرِيكُمْ‏ طَرِيقاً‏ أَفْضَ‏ لَ‏ » ( آية
) ‎31‎ ويقصد به طريق المحبة . ونحتاج إل تطبيق تعاليم هذا الأصحاح لنبرهن أننا تلاميذ المسيح . تعوَّدنا أن نسمع عن المحبة من رسول المحبة يوحنا ، ولقبه التلميذ الذي « كَانَ‏ يَسُ‏ وعُ‏ يُحِ‏ بُّهُ‏ » ( يوحنا : ‎13‎ ‏(.‏ ‎23‎ ويمكن أن نقول نحن أيضاً‏ إنه التلميذ الذي كان يحب يسوع ، فمحبة يوحنا للمسيح صدى صادقٌ‏ أمين قوي لمحبة المسيح ليوحنا الذي يقول : « نَحْنُ‏ نُحِ‏ بُّهُ‏ لأَنَّهُ‏ هُوَ‏ أَحَبَّنَا أَوَّلاً‏ » ( ‎1‎يوحنا ‏(.‏ ‎19‎ : 4 ولكن الرسول بولس يدلي دلوه في بئر المحبة العميق ليُخرج لنا هذا الماء الحي الذي نقرأ عنه في ‎1‎كورنثوس . ‎13‎ كما يُحدثنا الرسول بولس في غلاطية 6 : 5 عن الإيمان الذي يخلِّص ، وهو الإيمان العامل بالمحبة ، فيقول : « لأَنَّهُ‏ فيِ‏ الْمَسِيحِ‏ يَسُوعَ‏ لاَ‏ الْخِتَانُ‏ يَنْفَعُ‏ شَيْئاً‏ وَلاَ‏ الْغُرْلَةُ‏ ، بَلِ‏ الإِيمَانُ‏ الْعَامِلُ‏ بِالْمَحَبَّةِ‏ » ( غلاطية ‏(.‏ 6 : 5 وتكمُن أهمية المحبة في أنها برهان التلمذة للمسيح ، فقد قال : « بِهَذَا يَعْرِفُ‏ الْجَمِيعُ‏ أَنَّكُمْ‏ تلاَمِيذِ‏ ي : إِنْ‏ كَانَ‏ لَكُمْ‏ حُبٌّ‏ بَعْضاً‏ لِبَعْضٍ‏ » ( يوحنا ‏(.‏ ‎35‎ : ‎13‎
‎1‎‏-‏ المحبة أهم من الألسنة والفصاحة ( آية ) 1 قال الرسول بولس : « إِنْ‏ كُنْتُ‏ أَتَكَلَّمُ‏ بِأَلْسِ‏ نَةِ‏ النَّاسِ‏ وَالْمَلاَئِكَةِ‏ وَلَكِنْ‏ لَيْسَ‏ ليِ‏ مَحَبَّةٌ‏ فَقَدْ‏ صرِ‏ ‏ْتُ‏ نُحَاساً‏ يَطِنُّ‏ أَوْ‏ صَ‏ نْجاً‏ يَرِنُّ‏ » ( ‎1‎كورنثوس ‏(.‏ 1 : ‎13‎ وربما قصد الرسول
بألسنة الملائكة لغة أسمى من كل لغةٍ‏ يتكلمها الناس أو يعرفونها ، كاللغة التي سمعها الرسول بولس عندما اختُطف إل السماء الثالثة وسمع كلمات لا يُنطق بها ولا يسوغ لأحدٍ‏ أن يتكلم بها ( ‎2‎كورنثوس ‏(.‏ 4 : ‎12‎ وقد تعني « ألسنة الملائكة » اللغات الأجنبية التي تكلَّم بها الذين امتلأوا بالروح القدس يوم الخمسين . ولكن الكلام بأعظم لغة تسمو فوق إدراك الناس ( بدون محبة ) يشبه النحاس الذي يطن ، أو الصنوج التي ترن ، وهي آلات موسيقية بدائية للغاية ، رخيصة الثمن ، وإيقاعها الموسيقي من أضعف ما يمكن ، فلا يحرك أحداً‏ . فالفصاحة العظيمة واللغة السامية مهما علَت ، إن كانت بغير محبة ، هي كأضعف آلة موسيقية رخيصة لا تعطي لحناً‏ مميزاً‏ . ولا يتحدث الرسول بولس هنا عن الألسنة المفهومة التي أعطاها الله لرسله يوم الخمسين ( أعمال : 2 ) 4 ولكنه يتحدث عن اللغة غير المفهومة التي كانوا يتكلمونها في كورنثوس ، والتي قال الرسول بولس عنها : « لأَنَّ‏ مَنْ‏ يَتَكَلَّمُ‏ بِلِسَ‏ انٍ‏ لاَ‏ يُكَلِّمُ‏ النَّاسَ‏ بَلِ‏ اللهَ‏ لأَنْ‏ لَيْسَ‏ أَحَدٌ‏ يَسْمَعُ‏ . وَلَكِنَّهُ‏ بِالرُّوحِ‏ يَتَكَلَّمُ‏ بِأَسرْ‏ ‏َارٍ‏ ‏..‏ إِنيِّ‏ أُرِيدُ‏ أَنَّ‏ جَمِيعَكُمْ‏ تَتَكَلَّمُونَ‏ بِأَلْسِ‏ نَةٍ‏ وَلَكِنْ‏ بِالأَوْلَ‏ أَنْ‏ تَتَنَبَّأُوا . لأَنَّ‏ مَنْ‏ يَتَنَبَّأُ‏ أَعْظَمُ‏ مِمَّنْ‏ يَتَكَلَّمُ‏ بِأَلْسِنَةٍ‏ إِلاَّ‏ إِذَا تَرْجَمَ‏ حَتَّى
تَنَالَ‏ الْكَنِيسَةُ‏ بُنْيَاناً‏ . فَالآنَ‏ أَيُّهَا الإِخْوَةُ‏ إِنْ‏ جِئْتُ‏ إِلَيْكُمْ‏ مُتَكَلِّماً‏ بِأَلْسِ‏ نَةٍ‏ فَماَ‏ ذَا أَنْفَعُكُمْ‏ إِنْ‏ لَمْ‏ أُكَلِّمْكُمْ‏ إِمَّا بِإِعْلاَنٍ‏ أَوْ‏ بِعِلْمٍ‏ أَوْ‏ بِنُبُوَّةٍ‏ أَوْ‏ بِتَعْلِيمٍ‏ ؟ اَلأَشْيَاءُ‏ الْعَادِمَةُ‏ النُّفُوسِ‏ ( الجماد ) الَّتِي تُعْطِ‏ ي صَ‏ وْتاً‏ : مِزْمَارٌ‏ أَوْ‏ قِيثَارَةٌ‏ مَعَ‏ ذَلِكَ‏ إِنْ‏ لَمْ‏ تُعْطِ‏ فَرْقاً‏ لِلنَّغَماَ‏ تِ‏ فَكَيْفَ‏ يُعْرَفُ‏ مَا زُمِّرَ‏ أَوْ‏ مَا عُزِفَ‏ بِهِ‏ ؟..‏ وَلَكِنْ‏ فيِ‏ كَنِيسَ‏ ةٍ‏ أُرِيدُ‏ أَنْ‏ أَتَكَلَّمَ‏ خَمْسَ‏ كَلِماَ‏ تٍ‏ بِذِ‏ هْنِي لِكيَ‏ ْ أُعَلِّمَ‏ آخَرِينَ‏ أَيْضاً‏ أَكْثرَ‏ َ مِنْ‏ عَشرْ‏ ‏َةِ‏ آلاَفِ‏ كَلِمَةٍ‏ بِلِسَ‏ انٍ‏ ‏..‏ فَإِنِ‏ اجْتَمَعَتِ‏ الْكَنِيسَ‏ ةُ‏ كُلُّهَا فيِ‏ مَكَانٍ‏ وَاحِ‏ دٍ‏
وَكَانَ‏ الْجَمِيعُ‏ يَتَكَلَّمُونَ‏ بِأَلْسِنَةٍ‏ فَدَخَلَ‏ عَامِّيُّونَ‏ أَوْ‏ غَيرْ‏ ُ مُؤْمِنِينَ‏ أَفَلاَ‏ يَقُولُونَ‏ إِنَّكُمْ‏ تَهْذُونَ‏ ؟«‏ ( ‎1‎كورنثوس 2 : ‎14‎
و‎7-5‎ ‏(.‏ ‎23‎ ، ‎19‎ ، فالألسنة ، مهما كانت رفيعة ، فهي غير مفهومة ، ولا تحرِّك أحداً‏ ، ولا تنعش أحداً‏ من سامعيها . أما كلمة الوعظ فهي التي تبني . كان أهل كورنثوس يتكلمون كلمات غير مفهومة لا يدركها أحد . وكانت مشاعرهم أثناء التكلُّم بها خالية من المحبة ، لأنهم كانوا يتفاخرون بها على الآخرين . فلم تكن كلماتهم الأعجمية سبب بركة للمستمعين ، بل محاولات لرفعتهم الشخصية ، لأن المحبة غابت منها . عندما يكون الإنسان قليل المحبة يهتم بعطية الله له وينسى المعطي ، كما يأخذ الطفل الصغير الهدية من أبيه ويجري بها ، دون أن يقدم لوالده شكراً‏ ، لأن
اهتمام الطفل بالهدية أكبر من اهتمامه بأبيه ، بسبب بساطة تفكيره . وحب الطفل « للشيء » أكبر من حبه « للشخص ‏«.‏ كذلك نجد أن كثيرين يهتمون بالمواهب أكثر من الواهب الذي أعطى المواهب . ولكن المحبة أهم من المواهب ، لأنها تربطنا بصاحب المواهب وتجعلنا نُحسن استخدام الموهبة ، مستعدين لخدمة الآخرين . لكن إذا ركزنا على الموهبة وحدها بغير محبة للمُهدي ، وبغير تفكير في الهدف الذي من أجله أهدانا الموهبة ، تكون موهبتنا ، مهما سمَت في نظرنا ونظر الآخرين ، نحاساً‏ يطنّ‏ أو صنجاً‏ يرن ! وعندما يكون الإنسان قليل المحبة يفتخر بعطية الله له ، وهذا يعرِّض جماعة المؤمنين للانقسام ، فتكون الموهبة التي يجب أن تبني ، تهدم ، وبدل أن توحّد وتقرّب ، تقسم . فالمحبة أهم من المواهب ، لأن المحبة بركة بدون مواهب ، أما المواهب بدون محبة فلا تنفع شيئاً‏ . كان في الكنيسة الأول فصحاء ، نادوا بالإنجيل وكرزوا بالمسيح عن حسدٍ‏ وخصام وتحزُّب ، لا عن إخلاص ، ظانين أنهم يضيفون إل وُثق الرسول بولس ضيقاً‏ ( فيلبي : 1
‏(.‏ ‎16‎ ، ‎15‎ لقد كانوا معلمين ذوي فصاحة مُقنعة ، ولكن بدوافع خالية من المحبة . فلم يكونوا إلا نحاساً‏ يطن أو صنجاً‏ يرنّ‏ . أما الرسول بولس فشرح مشاعره من نحو عمل هؤلاء المعلمين بقوله : « غَيرْ‏ َ أَنَّهُ‏ عَلىَ‏ كُلِّ‏ وَجْهٍ‏ ، سَوَاءٌ‏ كَانَ‏ بِعِلَّةٍ‏ أَمْ‏ بِحَقٍّ‏ ، يُنَادَى بِالْمَسِيحِ‏ ، وَبِهَذَا أَنَا أَفْرَحُ‏ . بَلْ‏ سَأَفْرَحُ‏ أَيْضاً‏ . لأَنيِّ‏ أَعْلَمُ‏ أَنَّ‏ هَذَا يَؤُولُ‏ ليِ‏ إِلَ‏ خَلاَصٍ‏ بِطِ‏ لْبَتِكُمْ‏ ، وَمُؤَازَرَةِ‏ رُوحِ‏ يَسُ‏ وعَ‏ الْمَسِ‏ يحِ‏ » ( فيلبي
‏(.‏ ‎19‎ ، ‎18‎ : 1 وهذه هي المحبة الفصحى الأسمى من كل فصاحة !