Ghazl Mahalla Bulletin Issue 1 Jan. 2017 | Page 28

هذا وبالتأكيد لم ينل طلعت حرب حتى وقتنا هذا التكريم الذي يستحقه ‏!...‏
9
محنة البنك دخل طلعت حرب من خلال الشركات والمصانع التي شيدها كل بيت مصري وبغير منافس أصبح زعيماً‏ اقتصادياً‏ ، وإن ظل حريصاً‏ على أن يكون بعيداً‏ عن الصراعات السياسية والحزبية . وعلى الرغم من كافة النجاحات التي حققها البنك والإنجازات الاقتصادية التي قام بها إلاّ‏ أنه في الأسابيع القليلة التي سبقت نشوب الحرب العالمية الثانية ظهرت بوادر أزمة في بنك مصر ‏..‏ أزمة افتعلها وأعمل شباكها حوله الاحتلال البريطاني مستغلاً‏ تكالب العديد من المودعين على سحب ودائعهم ، وأيضاً‏ المحافظ الانجليزي للبنك الأهلي الذي رفض أن يقرض البنك بضمان محفظة الأوراق المالية ، بل أن الغريب في الأمر هو مسارعة صندوق توفير البريد الحكومي بسحب كافة ودائعه من بنك مصر وحده بالرغم من أن ودائعه في البنك الأهلي كانت أضعاف ما كان مودعاً‏ ببنك مصر ، فلم يكن من الرجل العظيم إلاّ‏ أن يحمل نفسه ويذهب إلى وزير المالية حسين سري باشا يرجوه واحداً‏ من ثلاثة أمور ؛ إمّا أن تصدر الحكومة بياناً‏ بضمان ودائع الناس لدى البنك ، أو أن تحمل البنك الأهلي على أن يقرض بنك مصر مقابل المحفظة ، أو أن تأمر بوقف سحب ودائع صندوق توفير البريد ‏..‏ فرفض سري باشا هذه الطلبات بإيعاز من علي ماهر باشا الناقم على طلعت حرب بسبب منحه مصطفى النحاس باشا خصمه اللدود قرضاً‏ بعد
أن أنقصت الحكومة من معاشه ،
وطلب إليه أن يتنحى عن إدارة البنك مقابل إنقاذ البنك من أزمته ! فقبل على الفور هذا الشرط من أجل إنقاذ البنك وقال كلمته الشهيرة :
" من الآن ؛ ما دام في استقالتي حياةٌ‏ للبنك فلأذهب أنا وليعيش البنك " . وبالفعل قدم طلعت حرب استقالته التي فوجئ بها الرأي العام المصري وآثر الإبقا على تاريخه عن إدارة البنك الذي أنشأه ورأسه ، ويؤكد سكرتيره الشخصي أن العبارة الوحيدة التي خرجت من فمه وهو يغالب دموعه كانت : " لقد مت ولم أدفن ! " . وجاء هذا دليلاً‏ آخر على عبقرية طلعت حرب ؛ فقد أيقن أنه لا دوام للفرد وإنما الدوام لذكرى الفرد وعمله .
أوسمة وجوائز
في عام ‎1931‎ منحه الملك فؤاد الأول لقب صاحب السعادة ورتبة باشا أثناء زيارته لشركة مصر للغزل والنسج بالمحلة الكبرى ، كما قام الملك عبد العزيز آل سعود بإهدائه كسوة باب الكعبة المشرفة تقديراً‏ لجهوده في إقامة المشروعات التنموية بالمملكة ، وفي عام ‎1980‎م في الذكرى الستين لتأسيس بنك مصر تم تكريم اسم طلعت حرب حيث قام الرئيس الراحل محمد أنور السادات منحه قلادة النيل العظمى تكريماً‏ لمجهوداته العظيمة في الاقتصاد المصري .
هذا وبالتأكيد لم ينل طلعت حرب حتى وقتنا هذا التكريم الذي يستحقه ‏!...‏

ما دام في استقالتي حياةٌ‏ للبنك ‏..‏ فلأذهب أنا وليعيش البنك

وفاته
عقب استقالته من إدارة بنك مصر ؛ انتقل طلعت حرب للعيش في قرية العنانية في مركز فارسكور بدمياط حيث عاش بعيداً‏ عن الأضواء ، وكانت وفاة المغفور له بإذن الله الزعيم الاقتصادي الكبير محمد طلعت حرب في ‎20‎ رجب سنة ‎1360‎ه الموافق ‎13‎ أغسطس سنة ‎1941‎م عن عمر يناهز ‎74‎ عاماً‏ بالقاهرة بمنزله الكائن بشارع رمسيس بعد أن أثبت للعالم أجمع قدرة الإنسان المصري على إدارة أعماله بمفرده دون الحاجة للوصاية الأجنبية عليه . وحضر الجنازة كلاَّ‏ من : مندوب الملك ومصطفى النحاس باشا رئيس الوزراء والعديد من الشخصيات الهامة مثل شيخ الأزهر ومفتى الديار المصرية ووكيل بطركية الأقباط ، كما نعاه العديد من الشعراء بقصائد رثاء مثل عباس العقاد و ‘ حسان عبد القدوس وأحمد شوقي . رحمه الله وأجزل ثوابه وأحسن إليه بقدر ما أحسن إلى هذه البلاد وأهلها .

9